السمفونية والنغمة الواحدة في الصحافة
La Symphonie Et Le Son Unique
جلست أتأمل وجوه من حولي وأستعيد ذكريات الشهور السابقة التي قضيناها معا عند الإعداد لصدور الجريدة وبعد صدورها. تساءلت في البداية: " كيف يمكن أن تشكل هذه الأنغام المتنافرة من صحفيي الجنسين المختلفين في الاتجاهات والطباع والأمزجة والأعمار سمفونية متناغمة؟"
كنت معتادا على النغم الواحد ولم أنشأ على سماع السمفونيات متعددة النغمات. كنت أعد هذا التعدد نشازا واكتشفت أنه ليس كذلك. نظرت إلى صور الصحفيين المعلقة على الجدران من ضحايا الإرهاب. كانوا مثلنا من الجنسين ومن مختلف الأعمار والاتجاهات، ولاشك أنهم كانوا مختلفين في الأمزجة والطباع . كانوا من صحفيي القطاع العام والخاص، من الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، ممّن يكتبون بالعربية والفرنسية. لم يفرق القتلة الإرهابيون بينهم. قتِلوا لأنهم كانوا يقومون بواجبهم كصحفيين. قتلوا لتموت الكلمة سواء أكان من يقولها رجلاً أم امرأة ،يمينياً أم يسارياً، متديناً أم ملحداً. من القطاع العام أم الخاص، يكتب بالعربية أم بالفرنسية. بدءاً من العدد الماضي بدأت أحس بروح الفريق، وبدأت أقبل الاختلاف كحقيقة واقعة وأؤمن أن جريدتنا سمفونية متناغمة يثريها تعدد النغمات ولا يفقرها.
وقف عبد الحفيظ بجانبي وهمس وهو يشير إلى صور الصحفيين بصوت أقرب إلى الحشرجة منه إلى الحديث: "معظمهم قـُتِلوا في أحيائهم وأمام بيوتهم. كنّا نعرف أنّنا مستهدفون ولكن لم يكن باستطاعة معظمنا تغيير مقرّ السَّكن هرباً من الإرهاب أو الإقامة بأماكن محروسة، فسقط بعضنا شهداء المهنة والواجب.لم يحِنْ أجلنا بعد فذهبوا وبقينا، ولكنهم وهبوا دمهم فداءً للحريَّة التي يجب أن نحافظ عليها كيْلا تذهب تضحيتهم هدراً."
عبد الله خمّار
من رواية "حب في قاعة التحرير"